المجموعات الحضارية لبلاد النوبة‏

كشفت الأبحاث الأثرية عن حضارات مختلفة في بــــلاد النوبة
ولجأ العلماء إلي تقسيم المقابر وبقايا عظامها إلي مجمـــوعات
رمزت ( A. B. C. D. X ) وتكونت المجموعات إلي التالي :-
أ – المجموعة الأولي
عرف علماء الآثار حضارة أربعة ألاف سنة قبل الميلاد بالثقافة
المميزة للنوبة وسميت حضارة المجموعة ( A ) حسب تسميـت
مكتشفها ( جـــورج أنــدرو رايزنر ) وهي تمثل أقـــدم أدوات
نحاسية معدنية اكتشفت إلي الآن وهي تعاصر الأسرة المصرية
الأولي عام 3200 قبل الميلاد وتعتبر هذه المرحلة فترة رخــاء
وزيادة سكانية وتــم اكتشاف الآثــار في ( عكـــاشة ) جنــــوب
وادي حلفا علي بعد 128 كم وكذلك في ( فــرس باخــوراس )
القديمة شمال وادي حلفا 21 كم وفي ( جمــي ) جنـــوب وادي
حلفا علي بعد 25 كم .
ازدهرت حضارة المجموعة الأولي حتى أخر أيام الأسرة الثانية
ونهاية عصر التأسيس مما دفع الملك ( خع سخم ) إلي إرســال
حملة لجنوب مصر وتوضح لوحة مدينة ( نخن ) الفرعـــونية
(البصلية ) حالياً مركز ( ادفو) صور الملك بعد انتصاره علي
( تاستي ) بها صور النوبي ملتحيا ، وهدفت الحملة إلي تأمين
الحدود الجنوبية وفتح طرق التجارة والتعدين ، فكانت السبب في
القضاء علي ازدهار حضارة النوبة الأولي وقد دلت الحفائر أن
النوبة كانت تدفن موتاه كما كانت في مصر السفلي .
ب- المجموعة الثانية :-
تدهورت حضارة النوبة بعد إن شهدت فترة ازدهار وتميز ثقافي
في الطبيعة والحضارة خلال المجموعة الأولي ، ومع حلول المجموعة
الثانية في عصر الأسرات الأولي إلي السادسة (2700 – 2280 )
قبل الميلاد أطلق العلماء علي هذه الفترة ( B ) وقد لاحظ العلماء
اختفاء الأواني الفخارية واختلاف طريقة دفن الموتى كما كان في
المجموعة الأولي ( A ) وضعف الاحتكاك الحضاري بين مصر
والنوبة بسبب الفقر الذي أصابهم بعد النشاط المصري ضد النوبة
وتوحيد مصر وقيام الأسرة الأولي لأول مرة في التاريخ .
كان الاختلاف واضح في المجموعة الثانية وخصوصا في الدفن وترتيب
الأحجار وندرت الأواني الفخارية لــدرجة كبيرة ومختلفــة عن سابقـهـا
في نوعيتها الرديء السيئ سواء للفقراء والأغنياء .
ج – المجموعة الثالثة :-
ظهرت هذه المجموعة ( C ) مع انتهاء الدولة القديمة في عهد الاجتماعية
الأولي عام 2240 – 2150 قبل الميلاد عصر الانتقال لكون المجموعة
الأولي ترجـع إلي العصر الحجري الحــــديث النحاسي واستمرت إلـــي
القرن السادس عشر قبل الميلاد عندما تم تمصير النـوبــة تماماً وكـانت
حدودها من شمال( الكوبانية ) شمال أسوان علي بعد 15 كم غرب النيل
حتى مدينة ( بطــن الحجــــر ) جنـوب وادي حلفـــا علي بعــد 144 كم
فظـــهـــرت فيهــــــــــا أساليـــب النحـــــت والنقــــش والتصـــــويــــر
خــــــلال أربــع مراحـــل
الأولــــــي :--
بدأت منذ أواخر عصــــر الأســــرة السابعـــة عشـــر وامتـدت مظاهرها
حتى أواسط عهد الفرعون ( تحو تمس الثالث ) في منتصف القرن الخامس
عشر قبل الميلاد ظهرت فيها روح الفتــــوة والــرجولــة وتــامين الحـدود
وتنشيط التجارة ونقل البلاد بعد نكســـة الهكســـوس ونحت تماثيــل لكبــار
الشخصيات والمـــلوك والأمــــراء ولعــــل أبلــــغ هـــذه النحوت تمثـــال
( الملكة حتشبسوت ) جميلة الجميلات في الشكل والأنوثة وكذلك تمثـــال
( تحو تمس الثالث ) المجمع الفني الرائع في النحت ذات الطابع النبيــــل
في الملامح والمشاعر وفتـــــوة الحرب يقـــف جاثياً منتصــباً ورابضـــاً
علي هيئـــة أســــــد ووزيــره ( رخميرع ) وتماثيل أخـــري يجــلـــــس
مع زوجتـــــه .
الثـــانيـــــة :--
تـزاد أكثر في رقة ورغبة في التعبير عن مظاهر الترف والتحرر من التقاليد
الفنية القديمة وعشق الطبيعة والجمال وهي تمثل أخر عهد ( تحو تمس الثالث )
إلي نهايــة عهـــد الفرعـــون ( أمنحوتب الثالث ) أخــر القرن 14 قبل الميـلاد
ونجح المثالين في إظهار المشاعر المتفاعلة مع النفوس أصحاب التماثيل وأجمل
ما في هذه المرحلة تمثال ( أمنحوتب الثالث ) وزوجتــه ( تــــي ) وحكيم عصره
بإضافة الليونة والاستدارة علي سطوح التماثيل ، وكانت أقرب للشكل الحقيقــــي
وليس مجرد نحت يستطيع الوصول للشكل الحقيقي بهذه الطريقة والابتسامة وشدة العضلات .
الثــــالثـــــة :--
أشهر المراحل السابقة صورت الواقع كما هي وعبرت عن الطبيعة بصورها
المختلفة في بساطة ودعت إلي التحرر الكامل في التعبير الواقعي دون التجميل المقصـــود ، وقــد ظهــرت في القـــرن الرابـــع عشــــر قبل الميلاد عصــــر
( أخناتون ) وزوجتـــه الجميلة ( نفرتيتي ) وقد أشتهر في ذلك ثلاث من المثالين
هم ( بـاك – أوتـي – تحو تمس ) وقد أحتفظ ( تحو تمس ) بمجموعة من التماثيل
في داره بعد انتهاء عهد ( أخناتون )عام 1350 قبل الميلاد واستمـــرت عهــــود
الخلفـــاء والأقربــــون ( لأخناتون ) ( توت عنخ أمون وآي) وبعض صـــــور
( محب ) وأخيه ( سمنخ كارع ) وزوجتـــــــه .
الــــرابعــــــة :--
بدأت من أول عصر الأسـرة التاسعة عشر إلي نهاية القرن الرابع عشر قبل
الميلاد وظهرت فيها الأناقة وتفصيل خطوط الرسم والنقش والجرأة في التصوير
الحركي والشاعري وظهر ( حور محب ) علي هيئة الكاتب وتمثال من المرمر
للفرعون ( سيتي الأول ) صنعه المثال من عدة أجزاء منفصلة لصعوبة قطع
المرمر بأحجام كبيرة ، وتعاقــب من بعد ذلك عهــــد ( الرعامسة ) عهـــــد
( رمسيس الثاني ) وظهرت لأول مرة نحوت تمثل إحتفالتهم وتتويجهم وانتصارهم
علي الأعداء وبالغوا في تصوير الأعداء بالذعر والهلع والخضوع وظهــــور
( رمسيس الثاني ) بالاسم المصري الفرعوني ( رعمســـو ) يجمع فيه الشمس
من كلمة ( راع ) وهيئة طفل من كلمة ( مس ) وهيئة نبات نوبي مقدس قديم
عن كلمة ( سو ) فتكون ( راع – مس – سو ) ونحت المثالين أجمل معابد عرفها
التاريخ والحضارة معبد ( رمسيس الثاني ) في ( أبو سمبل ) جنوب أسوان
180 كم معبده الشهير ويظهر فيه ( رمسيس الثاني ) جالساً بطول 40 متر علي
مدخل المعبد وظهرت مناظر القتال في البر والبحر والصيد علي معبد (الرمسيوم )
في عهد ( رمسيس الثاني ) ومناظر معبد حابو في عهد ( رمسيس الثالث )
حين صور الفرعون ( رمسيس الثالث ) يصيد الثيران الوحشية .
وقد أسرف المصورون مظاهر التقرب إلي الرب وسجل الفرعون ( سيتي
الأول ) معبد الكرنك في 22 قبل الميلاد ووضع علي جدار واحد وهو يحــيي
ربه ويسبحه ويقدم القرابين إليه ، ومع مرور العصور المتأخرة دخل صناعة
صغيرة من البرونز ورصعوها بمعادن وأحجار كريمة وبقي من أفضلها
تمثالين الأول لملكة تدعي ( كار وماما ) كانت تخطو علي رأس موكب دينــي
تقدم فيه القربان ، والثاني لسيدة نوبيـــــة تدعي ( تاكاشـــية ) رصعه الفنان
بمعادن ثمينة وحفر علي سطوحه أشكالاً دينيـة كثيرة برزت فيه جمال الوجه.
كشفت حضارة ( كرمـــة ) جنوب الجندل الثالث علي بعد 240 كم علي
مخلفات من حضارات المجموعات الأولي والثانية والثالثة و( كرمة )
هي حضارة نهاية الدولة القديمة وانتهاء الدولة الحديثة مع بداية تمصير
مصر عام 2280 – 1575 قبل الميلاد كانت سماتها أوعية فخارية رقيقة
في الصقل بلونها الأحمر وحوافها العليا السوداء وأواني فخارية علي
هيئة حيوانات وبزخارف حيوانية وخناجر من النحاس ومصنوعات خشبية
مطعمة بالعاج والميكا .
ظهرت التضحية البشرية مرة أخري بعد سقوط مملكة ( مروي ) أصحاب
الحضارة الرابعة المجموعة ( X ) الغامضة وعثر علي مقابر ضخمة في
(بلانة وقسطل ) شمال وادي حلفا وفي ( فركا ) جنوب وادي حلفا علي
ضحايا أدمية وحيوانات وذهب العلماء إلي إن ملوك ( مروي ) مارسوا
عادة التضحية وهذا دليل ضعيف غير أن ملوك أسرة ( نباتا ) مارسوا ذلك
التقليد مع الحيوانات وخصوصاً مع الخيول بعد العثور علي مقابر خاصة
للخيول في ( الكــرو ) جنوب كريمة علي الجانب الغربي للنيل علي بعد
16 كم جنوب جبل البرقل وفيها تم اكتشاف أربعة أهرامات لملوك الأسرة
الخامسة والعشرون ( بغنجي – شبكو – شبتكو – تانوت اماني ) وبدأ الدفن
فيها عام 860 قبل الميلاد حيث دفن فيها ستة عشر سلفاً للمك ( بغنجي )
وكان يوضع السرير في المقبرة العادة النوبية القديمة وبقيت هكذا حتى
العصر المسيحـــي .
انتشرت عصر المجموعة ( X ) في النوبة السفلي حتى ( ساي –
واوا ) جنوب اتجاه الجندل الثالث وكشفت حفائر ( أمري وكروان )
علي مقابر ركامي في ( بــــلانة – قسطــــل ) وتشير حياة الترف لملوك
هذه المجموعة تحيط بهم في طريقة الدفن مع زوجاتهم وخدمهم وخيولهم
ذات السروج المزركشة وكذلك الأباريق والأقداح والصحاف ومصابيح
برونزية ضخمة وصناديق الخشب المطعمة بالعاج وتعتبر ( قســـــــطل )
عاصمة هذه المجموعة وشيدت المدينة علي جبانة واسعة وكانت مقر الملوك
الذين حكموا النوبة في القرن الرابع والخامس والسادس قبل الميلاد وتشير
مقابر ( بلانة وقسطل وفركا ) إلي وجود هجرات زنجيـــة أفريقيـــــة جاءت
من الجنوب للنوبة للعمل والزراعة والاستقــــرار فيها والاختلاط بسكانهـــا
ويـــذهــب ( أمري ) برغم كل الوثائق والحجج أن المجموعة الرابعة ( X )
يجب اعتبارها ( نوبادية ) يري أن هذه الحضارة تنتمي لخصوم ( النوباديين )
الذين أسماهم الرومان ( البـليمـــز ) وكان ( البـليمـــز ) بــدو محييين للقتال
جرت العادة علي تعريفهم بقبائل حراس الصحــــراء الشرقيــــة ( البــــجة )
ويذهب ( فرث ) إلي أنهم نباطو ( دقلديانوس ) 284 – 305 قبل الميلاد
حسب رواية المؤرخ ( بروكوبيوس ) أنه قرب أواخر القرن الثالث عندما
أرجع ( دقلديانوس ) الحدود إلي الجندل الرابع شجع ( النوباديين ) علي ترك إقليم
الواحات والاستقرار علي ضفاف النيل علي أمل إن يستخدمهم كسياج لمصر
ضد غارات ( البليميين ) وفعلا هاجم ( البليميين والنوباديون ) جزيرة فيلة أيام
( ثيودوسيوس الثاني ) 408 – 450 قبل الميلاد وقد أجبرهم علي التقهقر القائد
( مكسمنيوس ) ثم من بعده والي مصر الروماني ( فلوروس ) .

المجموعة الرابعة أطلق عليها البعض ( نـــوبــا ) ( NUBIA ) الذين خضـــعوا
لسلطان الملك ( ســـــلكو ) الذي أطلق علي نفسه ملك ( النوباديين و الإثيوبيين )
وهو لقب التحالف بين النوبيين والمرويين وظهرت أثار الثقافة المشتركة بين
النوبة ومروي بقيادة الملك ( ســــــلكو ) بعد طرده ( للبليميين ) من ( أبريم )
والسيطرة علي فيلة شمالاً حتى الجندل الثالث جنوباً وتأسيس مملكـــــــــــــة
( نوباتيا ) النـــــوبيــــــة وعاصمتها ( بـــــلانة ) ، فكانت النوبة مسرحاً
لإقامة بعض الشعوب الأفريقية والقوقازية بحكم الموقع المجاور للقبائل الأفريقية
من ناحية والقبائل القوقازية من الصحراء الشرقية والغربية من ناحية أخري ،
ومع ذلك امتزج معهم دون إن ينصهر وظلت دون تجانس أو انصهار أو امتزاج
لتمسك النوبة طوال تاريخهم بالثقافة واللغة لدرجة الخصوصيـــــة .
رحال النوبة جمال القرشاوي